مجلّة الشهاب ..
جاء في كتاب (خارج السرب مقالات وتأملات) للدكتور الفاضل أبو القاسم سعد الله ص 214-221 هذا التعريف الرائع بمجلّة (الشهاب) والتشريح الدقيق لملابسات ظهورها والتصوير الشامل لدوافع هذا الظهور أهدافه وغاياته بل هو شيء من الإعتراف بالجميل لتلك القلعة الشامخة والحصن المنيع والصفحة المشرقة من تاريخ الحركة الإصلاحية وأبعادها الوطنية والعربية والإسلامية بالجزائر فلتتفضّلوها مشكورين :
مجلّة الشهاب ..
عندما أسس عبد الحميد بن باديس أوائل العشرينات من القرن العشرين مطبعة وجريدة لم يكن ذلك أمرا جديدا على أسرته وعلى بلاده فقد كان جدّاه (المكي وحميدة) من أوائل الجزائريين الذين تفطّنوا لأهمية الإعلام في النضال ضدّ السلطة الإستعمارية . فجدّه المكّي قد عمل في القضاء وشارك في عضوية اللجان وفي المجالس المحليّة ، ولجأ إلى كتابة كتيبات للتعبير عن رأيه ورأي أعيان أهل قسنطينة في قضايا الساعة التي كانت موضع نقاش حادّ بينهم وبين زعماء الكولون (المعمرين) الفرنسيين . فكتب في جريدة (المنتخب) التي تأسست في قسنطينة على يد أحد الفرنسيين . وحرّر العرائض ولا سيّما للجنة مجلس الشيوح سنة 1892 م ، وألّف الكتيبات ونحوها ، وكلها كانت تخدم رسالة الإعلام التي تغير الرأي العام وتجنّده وراء مطالب الأعيان ، ولا شكّ أن الرجلين (المكي وحميدة) قد وعيا ذلك الدور للإعلام من التجربة الفرنسية ، فقد كانت جرائد الكولون منتشرة في كلّ مدينة بالجزائر ، وكانت تعكس آراء وتيارات الكولون في كلّ صغيرة وكبيرة كنزاعهم ضدّ العسكريين ومطالبهم في الحصول على المزيد من الأرض من الأهالي ، وسياسة الإندماج ومعارضتهم لنشر التعليم بين الأهالي والحملة على القضاة المسلمين .
وكانت فترة ميلاد عبد الحميد بن باديس (ولد سنة 1889) قد بدأت تشهد تحولات هامة في السياسة الفرنسية بالجزائر . فقد حلّ الحاكم العام جول كامبون ..
jules Cambon)
محلّ
( I.Tirman)
وجاءت لجنة التحقيق بزعامة جول فيري
( Jules Ferry)
(1892)
وراجعت فرنسا سياستها الإسلامية في كلّ من المغرب العربي والمشرق ونهض الإستشراق نهضة واسعة على يد أساتذة مدرسة الجزائر وعلى رأسهم رينيه باصيه
(R.Basset)
ونشطت حركة التنصير في الجزائر ، ومنها امتدّت إلى تونس ، على يد لافيجري
(La Vigerie)
وحوارييه ، وزاد اعتماد الإدارة على شيوح الطرق الصوفية في نشر الإستعمار إلى إفريقيا انطلاقا من الجزائر في شكل بعثات استكشافية استعانت فيها بعناصر جزائرية (مسلمة) تقوم بالترجمة والإتصال والجندية ، وأخيرا نشير إلى إعادة النظر في المنظومة التعليمية للأهالي وإصلاح المدارس الحكومية الثلاث المعدّة لتخريج القضاة . وكان من نتيجة هذا التحوّل في السياسة الفرنسية ظهور عنصرين جديدين الأول ما يسمّى اليوم بالمجتمع المدني في الأوساط الجزائرية (الأهلية) فظهرت الجمعيات والنوادي والفرق الموسيقية والمسرحية . أمّا العنصر الثاني فهو ميلاد الصحافة العربية . وهكذا شهدت العشرية الأولى من القرن العشرين عهد الحاكم شارل جونار
(Ch. Jonnart)
مجموعة من الصحف باللسان العربي ، بعضها كان صادرا بدعم من الإدارة الإستعمارية نفسها (المغرب ، كوكب إفريقيا) ، وبعضها كانت محاولات متعسرة من رواد الصحافة الوطنية أمثال عمر بن قدور وعمر راسم (الجزائر ، الفاروق ، ذو الفقار ... ) .
في هذه الأثناء كان عبد الحميد بن باديس تلميذا في مساجد قسنطينة حيث كان والده ، نائبا في مجلس الولاية ، ولم يكن معروفا عن هذا الوالد أنه ، مثل ، سلفه ، مهتما بالصحافة والإعلام ، ولكنه بدون شك كان يتابع نشاط نادي صالح باي في قسنطينة نفسها ، وتأثير الصحف الفرنسية في هذه المدينة التي كانت تعج بالأفكار المتطرّفة وبلسان غلاة الاستعمار مما أدى إلى ردود فعل متطرّف أحيانا من جانب الأهالي الذين كانوا يطالبون بالإصلاح أكثر من غيرهم في القطر . وقد عبر مالك بن نبي في مذكّراته عن هذه المرحلة بدقة عندما تحدّث عن مجتمع كان يموت وآخر يولد . إنها المرحلة نفسها التي كان فيها ابن باديس يتلقى العلم على يد الشيخ حمدان الونيسي والتي كان فيها كاتب مثل جان سيرفييه
(J.Servier)
يكتب كتابه المثير عن (الخطر العربي) ، وعن النخب الجزائرية والتونسية والمصرية ، بينما يكتب فيها أحد النخبة الجزائرية وهو الشريف بن حبيلس كتابه غير المثير (الجزائر الفرنسية كما يراها الأهالي) .
إنّها مرحلة الإعلام المثور للرأي العام ، على كلا الضفتين من البحر الأبيض المتوسط إذ ظهر خلالها أيضا كتاب إسماعيل حامد (مسلمو شمال إفريقيا) وكتاب إرنيست ميرسييه
(E.Mercier)
عن المرأة المسلمة ، وكانت الجزائر تستقبل الشيخ محمّد عبده ومجلّة المنار ومحمّد فريد زعيم الحزب الوطني المصري ، وعبد العزيز جاويش الإعلامي البارز ، والشيخ محمّد الخضر حسين صاحب مجلّة السعادة العظمى ، ومؤتمر المستشرقين الدولي الرابع عشر ، كما كانت البلاد تشهد حركة احتجاج وهجرة بمناسبة جعل التجنيد العسكري إجباريا على الشباب الجزائري . إنّ هذه التطوّرات كلها كانت تجري في الجزائر قبل أن يغادرها عبد الحميد ابن باديس إلى تونس لمواصلة دراسته في جامع الزيتونة ، إن وعيه بأهمية التطورات في الجزائر قد بدأ قبل ذهابه إلى تونس التي نزلها وهو في حدود التاسعة عشرة من عمره .
ولكن نضج تجربة ابن باديس قد حدث في تونس ، ولا داعي هنا لذكر عوامل هذا النضج ، فالتجربة الإنسانية لشاب موهوب مثل عبد الحميد بن باديس ذات أبعاد عديدة ، فهناك تجربته مع شيوحه الذين لم يتأثر بهم جميعا على حدّ سواء . ويبدوا أنه تأثر بالشيخ محمّد النخلي بدرجة كبيرة ، وكان النخلي من مدرسة الشيخ محمد عبده ومن المعجبين بمجلّة المنار . وكانت النخب التونسية في أوج نشاطها الوطني والأدبي ، فقد كان شعارها (تونس للتونسيين) بينما كان شعار النخبة الجزائرية (المساواة بالفرنسيين) . ومن ثمة واجهت النخبة التونسية تحدّيات خطيرة . فنفت فرنسا علي باشا حانبة وهاجر محمد الخضر حسين وعبد العزيز الثعالبي وصالح الشريف وإسماعيل الصفائحي وغيرهم متوجهين إلى المشرق ، وهؤلاء هم الذين سيؤلفون قوة ناطقة باسم استقلال تونس والجزائر خلال الحرب العالمية الأولى ونحن لا نستغرب أن يبادر ابن باديس على إثر انتهائه من الدراسة في تونس ، ترسم خطى هؤلاء الزعماء (رغم حداثة سنه) فيتوجه أيضا إلى المشرق باسم الحج (وهو ربما تعلة فقط كما فعل غيره من الجزائريين وربما بقصد الهجرة) . ولكن عوامل أخرى (منها نصيحة شيخه الهندي نزيل المدينة) جعلته يقفل راجعا إلى مسقط رأسه ليبدأ مشروعا برأسين من أجل تحرير الجزائر : الأول نشر التعليم العربي في شكل تسمح به ظروف الحرب الإستثنائية ، والثاني إنشاء مؤسسة إعلامية للتوعية والتثقيف لا تسمح بها ظروف الحرب التي جمدت كلّ الأنشطة الإعلامية السابقة . أما تجربة التعليم فقد سارت سيرها وأثمرت ثمرها وفق أسلوب مخطط ومنهج محدد . وأمّا تجربة الإعلام فتحتاج إلى وقفة قصيرة .
آمن عبد الحميد بن باديس بدور الإعلام في نشر الوعي الوطني وإحياء التراث وتثبيت الهوية ومصارعة الخصوم . وسواء كان ذلك تقليد لمسيرة جدّيه المكي وحميدة (وهو ما نرجّحه) ، أو كان بدافع الظروف التي عاشتها الجزائر وتونس والمشرق ، فإنّ إنشاءه لمؤسسة إعلامية يعتبر في حدّ ذاته تعبيرا واعيا عن طموحاته وإيمانه بقيمة هذه الوسيلة الفعالة لخدمة القضية الوطنية من جهة وعن استعداده لمصارعة الإدارة الفرنسية والخصوم بنفس الوسيلة التي يتقنونها .
فقبل أن بدأ ابن باديس في إصدار (الشهاب) أسّس المطبعة الإسلامية الجزائرية ، وهي التسمية التي تعبّر في حدّ ذاتها عن برنامج له أبعاد ، وسواء أسّسها بمال الأسرة (وهي غنية) أو بتبرعات الفئة الواعية فإن المطبعة كانت ضرورية لإصدار الصحف التي كان ينوي إصدارها . وقد ثبت من تجربة زميله الطيب العقبي مع جريدته (الإصلاح) أن جريدة ليس لها مطبعة خاصة بها تتعرض لمضايقات وعراقيل شتّى . عندما أصدر ابن باديس جريدة (المنتقد) لم تعاني من نقص في المال ولا من عراقيل مطبعية ، وإنما عانت من قرار الإدارة التي أوقفتها عن الصدور لحدّة لهجتها ولذاعة نقدها . وقد عوضهنا ابن باديس بالشهاب في شكل جريدة ثم في شكل مجلة جعل لها شعارا يبعدها قليلا ولو بصفة مؤقتة عن المواجهة مع الإدارة والخصوم حتى تتمكن من مواصلة رسالتها وتتغلغل في أوساط الناس وتخلق للتيار الإصلاحي الوطني شريحة عريضة من القرّاء والأنصار .
لا نريد هنا أن نؤرّخ للشهاب وتطورها من جريدة إلى مجلّة ، ونحلل محتوياتها ، وندرس أسلوبها ، فقد كفانا ذلك الأستاذ عبد الرحمن شيبان و د . تركي رابح ود . محمد ناصر وغيرهم . ولكن ذلك لا يمنعنا من بعض الإشارات التي بدت لنا من قراءة تاريخ الحركة الوطنية عموما ومسيرة الشهاب خصوصا .
لقد اتخذت الشهاب شعارات من الآيات القرآنية ومن التراث العربي الإسلامي ، بل حتى من الثورة الفرنسية ، مثل ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة .. ) ، (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة .. ) ، إن بعض هذه الشعارات كانت تقصد بها التخفيف من غلواء النقمة عليها بدعوى أنها تعالج القضايا السياسية والإجتماعية بأسلوب الإثارة والتهريج والتثوير (كما تتهمها الإدارة والخصوم) ، وذلك ما تعبّر عنه الآيات القرآنية ، ولكنها في نفس الوقت كانت تنشر الوعي بين المواطنين بالتركيز على عدم الخوف وإعلانها بأن الحق فوق كل أحد ، وعلى حب الوطن والتضحية في سبيله ، والفصل بين فرنسا والجزائر ، وهي التي تشير إليها الشهاب بعبارة (الوطن قبل كلّ شيء )، وهذه الفكرة (الوطنية) التي أعلنتها صراحة عندما ردت على منكري وجود الوطن الجزائري عبر التاريخ . وكان تلاميذ اين باديس ، ومنهم الشاعر محمد الهادي السنوسي ، يكثرون من كلمة (وطن) في أدبياتهم ويتغنّون بالجزائر في أناشيد وطنية وقصائد استنهاضية منذ أوائل العشرينات ، أي قبل تأسيس الأحزاب السياسية التي أصبحت تقول اليوم إن الوطنية من مبتكراتها .
لقد كانت الشهاب مجلة خاصة بابن باديس وبمشروعه الإصلاحي للجزائر الذي هو في نفس الوقت مشروع حضاري بالنسبة للأمة الإسلامية . فهي ليست الناطقة بلسان المصلحين في الجزائر وإن كانوا يجدون فيها مجالا لطرح أفكارهم ولواء لحمل دعوتهم ، وهي أيضا ليست مجلّة لجمعية العلماء التي أصبح ابن باديس نفسه رئيسا لها ، رغم أن الشهاب كانت تنشر برنامج الجمعية على الناس وتدافع عن مبادئها ، أما الصحف الرسمية للجمعية فقد كانت غير الشهاب (وأطول صحف الجمعية عهدا هي البصائر) ، وإلى اليوم ما يزال بعض الباحثين يحسبون مجلّة الشهاب ناطقة باسم جمعية العلماء ، وقد نجح ابن باديس في جعل الشهاب تتبنى الفن الصحفي والإعلامي بالغة العربية في وقت لم تكن تعرف فيه الجزائر سوى جريدة (النجاح) التي لم تستطع الصمود كجريدة مستقلة فتحوّلت إلى جريدة للموظفين الرسميين ، في وضع شبيه بجريدة (المبشر) التي اختفت حوالي سنة 1927 م .
وإذا كان يظهر أن الشهاب قد اتخذت شكل مجلة المنار وأفكارها الإصلاحية ، فإنها في الواقع كانت مجلة جزائرية صميمة في موضوعاتها وتبويبها وأسلوبها الكتابي ولهجتها ولا شك أنها كانت تشكو من قلة الكتاب باللغة العربية في الموضوعات التي تريد طرقها ، إذ كان متعلّمو العربية لا يخرجون عن طلبة الزوايا المحلية وجامع الزيتونة أو المدارس الحكومية الثلاث ، وكانت الكتابة عند هؤلاء هي بالأساس (فن الإنشاء) بالمعنى الذي تطور عندئذ في المؤسسات المذكورة والذي يعني تحرير مقالة بسيطة في وصف الطبيعة أو حدث ديني أو نعي عزيز أو تمجيد زعيم أو مدح شيخ .
وهذه الموضوعات لا تستجيب لمشروع الشهاب الكبير . ولذلك اعتمدت الشهاب على قلم ابن باديس نفسه وعلى قليل من خريجي المشرق مثل الإبراهيمي والحافظي والعقبي ، وعلى قلم أحمد توفيق المدني الذي جمع بين ثقافة الزيتونة والخلدونية ، وأمثالهم .
ولذلك أيضا لجأت الشهاب إلى النقل عن الصحف والمجلات العربية ، ولو كانت تصدر في المهاجر الأمريكية ، بالإضافة إلى اعتمادها على كتب التراث في القضايا الدينية والأخلاقية والتربوية .وبهذه الطريقة مثلت الشهاب مدرسة متكاملة من عدّة نواح . فلغتها وأسلوبها وخطابها كانت تعبر عن مستوى ما وصلت إليه اللغة العربية في وطن خضع للإستعمار الفكري واللغوي والثقافي أكثر من قرن ، فكانت اللغة العربية في الشهاب تمثل الكفاح المستمر من أجل البقاء وتمثل التحدي للغة الفرنسية الرسمية التي غزت العقول والألسنة والأقلام ، وكانت الشهاب بموضوعاتها وأفكارها واتجاهها
تتحدّى الثقافة التي أشاعتها الطرق الصوفية المتجذرة عبر القرون وهي ثقافة المسكنة والخرافة والتواكل واليأس من الإصلاح والتطور . أما خطاب الشهاب فكان تصديا لمخططات الإدارة الإستعمارية العاملة على طمس المعالم الحضارية والهوية الوطنية للشعب الجزائري ، ولحملة الإذلال والإهانة للإنسان الجزائري ، وهكذا وقفت الشهاب موقفين أساسيين موقف الدفاع عن هوية الجزائر والحضارة الإسلامية واللغة العربية ، وموقف الهجوم ضد مشاريع الإندماج في فرنسا وإذلال الجزائريين .
وبدون فهم مشروع الشهاب (الذي هو مشروع ابن باديس) لا يمكننا فهم بعض الأقوال التي صدرت عن ابن باديس مثل (إنني أعاهدكم على أنني سأقضي بياضي على العربية والإسلام كما قضيت سوادي عليهما ، وإنها لواجبات ... وهذا عهدي لكم ) ، ومثل (كيف صارت الجزائر عربية) ، ومثل (إن الجزائر ليست فرنسا ولا يمكن أن تصير فرنسا حتى ولو أرادت .. ) .
وكانت فتوى ابن باديس ضد التجنس بالجنسية الفرنسية أقصى ما وصل إليه التحدي ضد مشاريع الإدارة الإستعمارية إذ كان التجنس يهدف إلى إلغاء إسلام وعروبة الجزائريين وتغييب هويتهم . وهي الفتوى التي وضعت حدّا فاصلا بين حضارتين إحداهما مغزوة تلعق جراحها وتحاول النهوض من كبوتها والأخرى غازية تريد أن تبتلع الجريح وتصيّره منسيا .
إن البعض قد يدرس الشهاب على أنّها مدرسة في السياسة الجزائرية في مواجهة السياسة الفرنسية الإستعمارية ، وقد يدرسها البعض على أنها مدرسة في الإصلاح الديني والأخلاقي والإجتماعي على الطريقة السلفية التي تحمل شعار (لا يصلح آخر هذه الأمّة إلاّ بما صلح به أوّلها) . ولكن الشهاب في نظرنا يمكن أن تدرس أيضا على أنّها مدرسة أدبية ، ففي الوقت الذي حوصرت فيه العربية في مجالات عقود الزواج والطلاق وكتابة الأحجبة والتمائم وبعض المقالات المكتوبة بأساليب المستشرقين هنا وهناك ، ظهرت الشهاب لتكون أوّل مجلّة عربية وطنية في الجزائر ، وأول صورة للأسلوب العربي المبين ، بشعره ونثره ، وقد ربطت القارئ الجزائري بالأدب العربي في مشرقه ومهجره ، وفي تراثه القديم وأشكاله الجديدة ، فلم يعد الجزائري المتطلع للثقافة العربية الحيّة ينتظر ترخيص الإدارة بدخول مجلاّت مثل (الرسالة) و(الثقافة) و(المنار) ونحوها إلى الجزائر ، بل أصبح وهو في وطنه يقرأ مجلّة عربية راقية الأسلوب والأفكار ، ومعبّرة عن مشروع وطني وحضاري كبير .
إنّ الذي يقدم اليوم مجلّة الشهاب للقرّاء يختلط عليه الأمر فيحتار هل يقدم لهم فعلا المجلّة أو صاحبها عبد الحميد بن باديس ، وفي نظرنا أنهما شيء واحد . فالشهاب صورة لفكر وتفكير ابن باديس ، وابن باديس هو روح وعمق مجلّة الشهاب ، إذ لا يمكن الفصل بين الوالد والولد ، بين الذات وجوهرها ، ومن ثمّة نرى أنّ إعادة نشر مجلّة الشهاب إنّما يعني إعادة بعث روح ابن باديس في الأجيال القادمة ، حتى في الإنتاج الذي لم يكتبه بقلمه ، لأنه في الواقع هو الذي اختاره ورضي عنه ، وإذا كان ابن باديس عملاقا بين المصلحين في العصر الحديث ، فإنّ مجلّة الشهاب عملاقة بالتبعية بين المجلاّت العربية المعاصرة وربما يزيد فضلها على أخواتها أنها ولدت في بيئة معادية للحرف العربي واللسان العربي والإنسان العربي لصلة هذه الثلاثة بالقرآن والإسلام .